ألقى الرئيس الفرنسي يوم أمس الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 الجاري خطابا من داخل قبة البرلمان المغربي، وأمام أنظار أعضاء مجلسي المستشارين والنواب لمدة 42 دقيقة في إطار زيارة دولة يقوم بها مرفوقا بزوجته بريجيت ماكرون، وأهم وزراء حكومة الجمهورية الفرنسية، إضافة إلى عدد من أكبر رجال الأعمال في فرنسا، وقد استند حاكم الإليزيه في خطابه على ثلاثة أبعاد ومنابع كبرى تصب جميعها في نفس الشلال الهادف إلى تدوين صفحات من كتاب جديد مع المملكة المغربية نبرزها لكم فيما يلي :
البعد التاريخي
بدأ ماكرون خطابه بالرجوع لتاريخ العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا منذ عصر النهضة وذكر شخصيات بعينها على غرار إدريس بن محمد بن العمراوي المبعوث المغربي لباريس سنة 1860 في عهد السلطان محمد الرابع، و مجموعة من السفراء تعاملوا مع فرنسا بشأن التجارة وأمن البحر، وفي مقابل ذلك ذكر فنانين فرنسيين كجاك ماجوريل وغيره، توجهوا للمغرب بنظرة قوية، و مجموعة من الرحالة نظروا للمغرب باحترام و إعجاب معتبرا إياهم أناروا ذاكرة البلدين المشتركة.
ثم انتقل الرئيس الفرنسي عبر آلة الزمن للعصر الحديث مبرزا أن طي صفحة الاستعمار المتوترة مع المغرب عقبتها اتفاقيات كاتفاقية فاس، بحيث كان هناك رجال يحنون للإمبراطورية المغربية القديمة والعريقة، كما كان لإعادة السلطان محمد الخامس الذي تم نفيه إلى مدغشقر أثر كبير لتهيئ الحرية لمستقبل مشرق للعلاقات بين البلدين ، وفي سنة 1955 مع إعلان (كلو) بدأ عهد جديد أبعد عن البلدين ويلات الحرب، وأضاف ماكرون أن فرنسا عندما تعود لعلاقاتها مع المغرب في الثمانين سنة الماضية تشعر بالامتنان لكل الرجال الذين أتوا من المغرب وساهموا في تحرير كل شبر من فرنسا، والذين عبر لهم الرئيس الفرنسي عن احترامه و امتنانه، وأيضا ما يناهز 10 ملايين من المغاربة ساهموا في بناء فرنسا، وعليه أكد ماكرون أن جلالة الملك محمد السادس يجسد “استمرارا لإحدى أعرق الملكيات في العالم وأحد وجوه الحداثة”
البعد الاقتصادي
انتقل ماكرون من استحضار المعطيات التاريخية للحديث عن الخمسة وعشرين عاما التي مضت منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش داخل إطار واحدة من أعرق السلالات في العالم، وفي إطار التقدم التكنولوجي والصناعي حسب تعبيره، وشدد الرئيس الفرنسي القول بأنه خلال الخمسة والعشرين السنة القادمة لابد لفرنسا والمغرب من كتابة كتاب جديد، ففرنسا كانت دائما مع المغرب لمواكبة ديناميته الاقتصادية كون شركات فرنسية كثيرة وثقت بالمغرب جعلت من فرنسا أول مستثمر أجنبي في المغرب ولاسيما الوكالة الفرنسية للتنمية إذ يعد المغرب الشريك الأول على مستوى الاستثمار في اليد العاملة.
تم تحدث ماكرون عن استراتيجية المغرب الواضحة في التنمية وفيما يتعلق بطرق السكك الحديدية السريعة لخلق فرص شغل أكبر للشباب، وأيضا في الاستثمار بمجال صناعة ألعاب الفيديو التي يريد المغرب المساهمة فيها، والبنى التحتية، و الطاقة وبما يتعلق بمعالجة المياه والنفايات، وشدد ماكرون على أن الشركات الفرنسية تريد العمل في هذا المجال، وأن تكون الشراكة المستقبلية قوية بين البلدين وشراكة استراتيجية مبنية على الاقتصاد والتكنولوجيا.
فمستقبل الأطفال المغاربة والفرنسيين بالنسبة لماكرون رهين بنجاح البلدين في مجال الطاقة والمشاريع التي يقوم بها المغرب في مجال تحلية المياه، و بناء الطرق السريعة لنقل المياه والتي تجعل منه من البلدان القليلة التي تعاملت بصرامة وجدية مع إشكالية الجفاف من أجل مواجهة التحديات الزراعية، وحاجيات ساكنة المدن من هاته المادة الضرورية.
وشدد الرئيس الفرنسي على أن المغرب في هذا الميدان يستطيع أن يعلم الكثير من البلدان، ولما للمغرب أيضا في مجال السدود وتوليد الطاقة من إمكانات كبيرة ، والكثير من مزارع الطاقة الشمسية، و الريحية يجعل من المملكة فاعلا أساسيا في مجال الطاقات المتجددة على المستوى العالمي، فمستقبل المتوسط حسب ماكرون لا يمكن أن يمر إلا من ممر الهيدروجين الأخضر .
وانتقل ماكرون بعد ذلك للقول: إن المغرب منصة أساسية للصناعة الأوروبية والفرنسية، وعلى الشركات الفرنسية أن تعمل مع الشركات المغربية وفق مبدأ المصلحة المتبادلة خاصة في جانب الخدمات و الجانب الصناعي.
كما وعد ماكرون باستثمارات فرنسية في الصحراء المغربية، غداة إبرام البلدين عقودا بقيمة تناهز 10 مليارات يورو، مشيرا إلى أن “الفاعلين الاقتصاديين والشركات سوف يرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها”، تشمل هذه الاتفاقات ميادين عدة، بينها النقل بالسكك الحديدية، إذ تأكدت مشاركة الشركتين الفرنسيتين ألستوم وإيجيس في الشطر الثاني للخط الفائق السرعة بين طنجة ومراكش، وأن شركة ألتسوم ستفاوض الجانب المغربي على تزويده بنحو 12 إلى 18 عربة قطار فائق السرعة.
وأبرز ماكرون أن فرنسا على وعي تام بأهمية تطوير الشراكة الاقتصادية مع المغرب في الصحراء المغربية ودعم التنمية المستدامة بها.
الصحراء المغربية
حرص الرئيس الفرنسي على الحديث في ملف الصحراء المغربية بالقول أنه بالرغم من فترة التوترات بين المغرب و فرنسا بقيت الجمهورية الفرنسية إلى جانب المغرب في المسائل الوجودية خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء مؤكدا أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لحل قضية الصحراء بشكل نهائي وفقا لمفاوضات الأمم المتحدة، وهو الموقف الذي ستسانده فرنسا وستقف إلى جانب المغرب فيه أمام المنتظم الدولي والذي ستسعى فرنسا لتنفيذه .
وشدد ماكرون على أن حاضر ومستقبل الصحراء سيكون تحت السيادة المغربية، و أن ملف الصحراء يجب أن يعالج في إطار سيادة المغرب إضافة إلى مواكبة الشركاء الفرنسيين لهذا الأمر من خلال الاستثمار في أراضي الصحراء المغربية، وخلق مبادرات مستدامة لصالح السكان المحليين لبناء جيل جديد في الصحراء.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا