بعد زيارته الأخيرة إلى واشنطن، التي كشفت عن تناقض وازدواجية المواقف الرسمية لبلاده، يعيد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، تكريس هذه الازدواجية من خلال تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام غربية بشأن قضية الصحراء المغربية.
المسؤول الجزائري عينه صرح في مقابلة له مع موقع “المونيتور” الأمريكي بأن بلاده “راضية تماما عن موقف واشنطن تجاه قضية الصحراء، رغم استمرار الإدارة الامريكية الجديدة في المحافظة على اعتراف سابقتها بمغربية الصحراء”، مؤكدا أن “ما تطلبه الجزائر بالفعل من إدارة جوبايدن هو المساهمة في إحياء عملية السلام”، وفق تعبيره.
المصدر عينه نقل عن عطاف قوله إن بلاده “تعمل على تقوية علاقات الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “وجود شركات أمريكية للنفط والغاز في الجزائر التي بدأت تستأثر باهتمام مجتمع الأعمال الأمريكي”.
استرضاء وتناقض
محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والإستراتيجية، قال إن “تصريحات وزير الخارجية الجزائري هي محاولة لاسترضاء واشنطن بعدما عبرت الأخيرة عن مواقف معارضة للسياسة الجزائرية التي تحاول التموقع داخل دائرة الصراع بين الغرب وروسيا لصالح هذه الأخيرة، من خلال إبرام صفقات سلاح معها والتجاوب مع السياسة الروسية في المنطقة الإفريقية”.
وأضاف العروسي، في تصريح لهسبريس، أن “تصريح عطاف يأتي استجابة لضغوط تمارسها واشنطن على الجزائر لتعديل سياستها وتليين مواقف البيت الأبيض تجاهها، خاصة بعد أن ندد مجلس الشيوخ الأمريكي بسياسة قصر المرادية وتقاربه السياسي والعسكري مع الكرملين، مقترحا تنزيل عقوبات صارمة على الجزائر مقابل سلوكها التضامني مع روسيا في حربها مع أوكرانيا”.
“التعامل الجزائري الرسمي مع واشنطن لا يمكن أن يكون متماثلا مع تعامله مع مجموعة من الدول في ما يخص قضية الصحراء المغربية، كإسبانيا على سبيل المثال التي أوقف النظام الجزائري تعاونه الاقتصادي معها، بعد تأييدها مقترح الحكم الذاتي”، يسجل المتحدث ذاته، موضحا أن “التعامل بالمثل مع دولة مؤثرة في القرار الدولي ومحركة للعديد من الملفات الإقليمية والدولية بحجم الولايات المتحدة الأمريكية ينطوي على الكثير من المخاطر بالنسبة للجزائر، التي يتناقض سلوكها الرسمي في التعامل مع الدول في هذا الإطار”.
وأشار العروسي إلى أن “الجزائر فشلت في لعبة التحالفات الدولية ولم تستطع أن توازن علاقاتها مع القوى الفاعلة في المنتظم الدولي، إذ أبانت عن انحياز واضح إلى روسيا، وبالتالي فهي تحاول تلطيف الأجواء باستعمال ملف الصحراء المغربية”.
وخلص المحلل إلى أن “هذا الملف يحضر بدوره في صلب إستراتيجية الجزائر لتقديم نفسها لواشنطن كشريك اقتصادي موثوق، من خلال تقديم تنازلات لأمريكا مقابل الحصول على موقف معين من هذا النزاع المفتعل واستجداء موقف لصالحها في هذا الصدد، غير أن واقع التحالفات والتحولات التي يشهدها المشهد الإفريقي والدولي تتجاوز هذه المقاربة الجزائرية القائمة على تصدير الأزمات واستعداء دول الجوار”.
قراءة جديدة للواقع
علق سعيد بركنان، محلل سياسي، على تصريح المسؤول الجزائري بالقول إنه “تصريح سياسي مبني على قراءة سياسية للوضع الإقليمي المتحول، ومرتبط بالأوضاع الحبلى بالأحداث العسكرية جنوب الجزائر في منطقة الساحل والصحراء”، مضيفا أنه “تصريح يُفترض أن يحيي العقل السياسي للدولة الجزائرية لقراءة وضع المنطقة الإقليمية بمنطق التحولات التي تفرض على الجميع التحالف لمواجهتها، وبأن ضرر الفوضى قد يعم الجميع”.
وأضاف بركنان أن “هذا التصريح يمكن قراءته في اتجاه وحيد، وهو أن العقل العسكري الجزائري بدأ يستوعب التحولات الأخيرة للعديد من الدول العظمى في موقفها من الصحراء المغربية، وتزكية سيادة المغرب عليها، وأن هناك تحولا إقليميا قد يعزل الجزائر سياسيا وقد يُدخل المنطقة في فوضى تتزعمها حركات تمردية وإرهابية قد تصيب الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد على الغاز بالشلل التام”.
في السياق ذاته زاد المتحدث عينه: “الجزائر بدأت توقن بأن موقفها من القضايا الإقليمية ومن قضية الصحراء لا بد أن يعاد فيه النظر مرحليا على الأقل، بالنظر إلى التحول الحاصل في قوى الحكم في دول الساحل والصحراء، ذلك أن طرد القوات الفرنسية وسيطرة الحركات المتمردة والانقلابات العسكرية، وعدم ثبات النخب السياسية في الحكم، كلها معطيات مستحدثة جغرافيا في الآونة الأخيرة في جنوب الجزائر تفرض على النظام الجزائري إعادة مراجعة سياسته في المنطقة”.
وأفاد المتحدث عينه بأن “الزيارة الأخيرة لعطاف إلى واشنطن، التي تمت بدعوة من هذه الأخيرة، قدمت من خلالها الخارجية الأمريكية توضيحات للجزائر حول الوضع الأمني في المنطقة الإقليمية، والرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة، بما فيها موقف واشنطن من الاعتراف بالصحراء المغربية”.
إثر ذلك خلص بركنان إلى أن “ما صرح به عطاف قد يكون بداية القراءة السياسية الجيدة للعسكر الجزائري للوضع الإقليمي، والتخلي عن نظارة العداء للمغرب التي كان يقرأ بها الوضع ويتخذ من خلالها جميع مواقفه السياسية في السنوات الأخيرة تجاه الرباط والدول التي تعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، أو تلك التي تزكي مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.