“منعطف حرج ومفترق طرق” يمُرّ منه مشهد الطاقة العالمي، إذ مازال موسوماً بالهيمنة المستمرة للوقود الأحفوري والإمكانات المزدهرة لمصادر الطاقة المتجددة”؛ كانت هذه أبرز مضامين ورقة موجزة للسياسات نشرها (مطلع شهر فبراير الجاري) مركز السياسات من أجل جنوب جديد (PCNS) من إنجاز ريم برحاب، كبيرة الباحثين الاقتصاديين بالمركز.
لم تتوان الباحثة المختصة في قضايا الطاقة والتنمية في “ترجيح” كفة أن “تظهر تغييرات كبيرة في إنتاج الطاقة واستهلاكها وسياساتها” خلال العام 2024، مسجلة “آثارا عميقة” قد تطال “الاستدامة الاقتصادية والبيئية”.
الورقة المنشورة باللغة الإنجليزية تحت عنوان “ما وراء مفترق طرق الطاقة: فك رموز الاتجاهات الرئيسية ورسم المسارات في عام 2024″، تستكشف-حسب مؤلفتها-“اتجاهات” الطاقة الرئيسية التي شهدها عام 2023 والسيناريوهات المحتملة لعام 2024. وبينما يقدِّم التحليل “منظورا عالميا”، فإنه يقرّ بـ”ضرورة مراعاة الاختلافات الإقليمية التي قد تنحرف كثيراً عن الاتجاهات الشاملة”.
“مشهد الطاقة في عام 2024 على مفترق طرق. يستمر الوقود الأحفوري في الهيمنة، مع تقلب الأسعار بسبب التوترات الجيو-سياسية وأنماط الطلب المتغيرة. ومع ذلك، فإن الطاقة المتجددة آخذة في الارتفاع بفضل انخفاض التكلفة ودعم السياسات وتزايد تبني المستهلكين”.
حسب المصدر البحثي نفسه، فإن المجالات الرئيسية التي يجب مراقبتها هي الارتفاعات المحتملة في أسعار النفط والغاز الطبيعي، والتحديات التي تواجه التوسع في الطاقة المتجددة. من خلال فهم هذه الاتجاهات وإدارة المخاطر بشكل استباقي، “يمكن للبلدان ضمان مستقبل أكثر استدامة وأماناً للطاقة”.
تقلب أسعار النفط
ترى الباحثة التي تعمل حاليًا على مواضيع تتعلق بـ”قضايا الطاقة وتأثيراتها على النمو الاقتصادي والتنمية طويلة الأجل”، أن “الوقود الأحفوري، الذي شكّل ثورة القرن العشرين، مازال محتفظاً بحصته الهائلة في السوق”.
“من المرجح أن تؤدي الشكوك الجيو-سياسية في الشرق الأوسط، وارتفاع طلب الصين على الطاقة، إلى إبقاء أسعار النفط متقلبة ومرتفعة”، تتوقع ريم برحاب، مضيفة: “على الرغم من أن استهلاك الفحم قد يكون بلغ ذروته، إلا أن تأثيره لا يزال قائما في آسيا بسبب النشاط الصناعي القوي. الغاز الطبيعي عُرضة لتقلبات العرض والتوترات الجيو-سياسية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتعطل الإمدادات في المناطق المعرضة للخطر مثل أوروبا”.
استناداً إلى هذه الخلفية، أصبحت مصادر الطاقة المتجددة “نقطة مقابِلة قوية بشكل متزايد”. وأوردت الورقة بهذا الشأن: “تتوسع الطاقة الشمسية بقوة، مدفوعة بعوامل أبرزها انخفاض التكاليف والسياسات الحكومية المواتية والتبني السريع للمستهلكين”.
“على الرغم من أن الطاقة الريحية قد تواجه رياحاً معاكسة مؤقتة من العقبات السياسية، إلا أن آفاقها طويلة الأجل لا تزال واعدة بلا شك. تعد تقنيات البطاريات ضرورية للثورة الخضراء وتتحسن باطّراد من حيث الكفاءة والقدرة على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”، تورد الورقة ضمن ثناياها.
اتجاهات 2024
يبحث موجز السياسة في خمسة اتجاهات مهمة ستشكل مشهد الطاقة في عام 2024. وحسب الباحثة، “يتطلب التنقل في مشهد الطاقة المعقَّد مراقبة دقيقة للمخاطر واستجابات حكيمة للسياسات”.
وبينما أكدت أن الاتجاه الأول يبرز “توقعات بأن يستمر تقلب أسعار الوقود الأحفوري طوال عام 2024″، فإن الاتجاه الثاني يؤكد أن “استهلاك الوقود الأحفوري سيبقى مدفوعاً بالبلدان النامية”.
الاتجاه الثالث ينحو إلى تأكيدات ترتقب أن “ينمو إنتاج النفط والغاز، ولكن بمستوى معتدل”، في حين إن الاتجاه الرابع يرسم طريقا نحو “إمكانية زيادة إضافات قدرة الطاقة المتجددة، مع كون الصين مُحرّكا وفاعلاً رئيسيًا”، أما الاتجاه الخامس الأخير فيهمّ “ارتفاع الطلب على المعادن الحيوية مدفوعًا بزيادة الاستخدام في صناعة الطاقة الخضراء”.
المشهد والمخاطر
بينما يبدو التنبؤ بما سيحدُث في عام 2024 بمثابة “تمرين ناكر للجميل”، فإن “المياه المضطربة لمشهد الطاقة العالمي في عام 2024 تمثل لوحة معقدة من المخاطر المترابطة والتقدم الواعد. تتطلب هذه البيئة المعقدة تمحيصا دقيقا، حيث إن التنقل في تياراتها التي لا تحصى سيحدد في النهاية مسار مستقبل الطاقة في العالم.
هذا المشهد الطاقي المتشابك “يتطلب الرصد المستمر”، وفق تقدير مؤلفة الموجز البحثي، مفسرة ذلك بأن “هذه الاتجاهات حسّاسة للغاية وسط بيئة متقلبة”.
في خاتمتها، حددت الوثيقة البحثية المفصلة “ثلاثة مخاطر رئيسية يتعيّن مراقبتها ورصدُها”.
الأسواق على حبل مشدود
حسب الباحثة، “يسير سوق النفط العالمي على حبل مشدود محفوف بالمخاطر”، محاولا “الموازنة بين الارتفاعات والانخفاضات المحتملة”. تبعا لذلك، “يلوح في الأفق شبح الصراع في الشرق الأوسط بشكل كبير، مع أي تصعيد قادر على إحداث ارتفاع حاد في الأسعار، اعتمادًا على شدة اضطرابات الإمدادات”.
الغاز الطبيعي: “مسار محفوف بالمخاطر نحو ارتفاع الأسعار”
بدوره، “يسير سوق الغاز الطبيعي في عام 2024 في مسار غير مستقر، مع تراكم الاحتمالات لصالح زيادات الأسعار”، بينما يلوح في الأفق “شبح الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط بشكل كبير،” مما يهدد باضطرابات متتالية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا وآسيا، اللّتين تعتمدان بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال، ترصد الورقة.
الطاقة المتجددة:
بينما تهدف مزادات الرياح البحرية في جميع أنحاء العالم إلى “إطلاق إمكانات الطاقة المتجددة”، فإنها تواجه-حسب تعبير الباحثة-“رياحًا معاكسة من ارتفاع التكاليف، واضطرابات سلسلة التوريد، والبنية التحتية غير الكافية”.
وقالت ريم برحاب: “ثمّة مجال آخر من مجالات الخطر يتمثل في التأخير في تنفيذ استراتيجيات الطاقة المتجددة، مما قد يضعف الجهود التي بذلتها بعض البلدان حتى الآن”.
وختمت: “سيكون التنقل في هذه الاتجاهات المتباينة أمرًا بالغ الأهمية في تحديد مسار مستقبل الطاقة في العالم”.